الهداية والضلالة بيد الله!!
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الهداية و الضلالة بيد الله
1 ـ أنواع الهداية و الضلالة
لو إلتقاك مسافر غريب بيده عنوان، و سألك أنْ تدلّه على مكان. فإن أمامك طريقين لهدايته و إرشاده الى مايريد:
الأوّل: إنْ تصحبه بنفسك حتى توصله الى مقصده، ثم تودعه وتذهب. وهذا هو الكمال في عمل الخير.
الثاني: أنْ تشير له بيدك الى حيث ينبغي أنْ يتوجه وتريه مختلف الدلائل والمعالم الموجودة في طريقه الى حيث يريد.
و في كلتا الحالتين تكون أنت قد «هديته» الى هدفه. ولكن مع اختلاف الحالتين، فالحالة الثانية هي «إرشاده الى الطريق» و الاولى هي «إيصاله الى الهدف». والهداية قد وردت في القرآن الكريم وفي أخبارنا الاسلامية بكلا المعنيين.
وأحياناً يكون للهداية جانبها (التّشريعي) فقط، أي إنَّها تتحقق عن طريق التّشريعات والقوانين، وقد يكون لها جانبها «التكويني» وهو «هداية» النطفة في طريق الخلق باتجاه تكوين الانسان الكامل الخلقة. وقد ورد هذان المعنيان في القرآن والاخبار أيضاً. بمعرفتنا أنواع الهداية (وما يقابلها من الضّلال). نعود الى الموضوع:
نقرأ في كثير من الآيات أن الهداية والضلال من عمل الله. لاشك أنَّ «اراءة الطّريق» تكون من قبل الله عن طريق ارساله الانبياء والرسل. وانزاله الكتب السماوية لكي يدل الانسان على الطريق.
غير أنَّ «الايصال الى الهدف» قسراً لايأتلف ومبدأ حرية الاختيار. ولكن بما أنَّ الله يضع تحت تصرفنا جميع الوسائل اللازمة للوصول الى الهدف، وأنَّه هو الذي يشملنا بالتوفيق في سيرنا في هذا الطريق: فإنَّ هذه الهداية تكون أيضاً ـ بهذا المعنى ـ من قِبَل الله، أي عن طريق تهيئة الوسائل واعداد المقدمات ووضعها في متناول يد الانسان.
2 ـ سؤال مهم
و هنا يتبادر هذا السّؤال المهم، فنحن نقرأ في القرآن الكريم:
(فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمُ).
(سورة ابراهيم، الآية 4)
بعض الناس يغفلون عن معاني آيات القرآن وماجاء في تفسيرها و علاقة
بعضها ببعض، فيبادرون حالما يقرأون هذه الآية الى الاعتراض قائلين: مادام الله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء فما ذنبنا نحن؟
القضية المهمة هي أنَّنا يجب دائماً أنَّ نأخذ بنظر الاعتبار ارتباط الآيات فيما بينها حتى نتعرف على مفاهيمها الحقيقية و هنا نورد لك نماذج اُخرى من الآيات الخاصّة بالهداية والضلال لكي نضعها الى جانب الآية المذكورة، ثمّ نستنتج منها النّتيجة المطلوبة:
ففي الآية 27 من سورة ابراهيم نقرأ:
(وَيُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِيْنَ).
وفي الآية 34 من سورة غافر نقرأ:
(كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ).
وفي الآية 69 من سورة العنكبوت نقرأ:
(وَالّذِيْنَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنا).
وهكذا نلاحظ أنَّ (إشاءة) الله ليست بغير حساب، فهو لايوفّق أحداً لهدايته، أو يسحب هدايته من أحد، بغير حساب.
فالذين يجاهدون في سبيل الله، و يواجهون الصعاب، و المشاكل، و يجالدون أهوائهم النفسية ويقفون بصلابة في وجه اعداء الدين، هم الذين وعدهم اللّه تعالى بهدايته، وهذا هو العدل بعينه.
أمّا الذين يقيمون صرح (الظلم و الجور) ويسيرون في طريق «الاسراف والشك» و«ايجاد الريبة و التردد» فإنّ الله يحرمهم من التوفيق والهداية، وتصبح قلوبهم مظلمة سوداء بسبب أعمالهم تلك، فلا ينالون مرتبة الوصول الى منزل السعادة. وهذا هومعنى إنَّ الله يضل من يشاء، وذلك بوضعنا امام نتائج أعمالنا وهو العدالة بعينها أيضاً، فتأمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
دروس في العقائد الاسلامية
لسماحة آية الله
الشيخ مكارم الشيرازي