في ذلك الزمن الغابر حيث لا ثلاجات كهربائيه (كانت توجد القليل منها على الغاز مثل اللي كانت في بيت احمد المدن) 0 ,ولا غسالات ملابس , ولا نشافات ولا عصارات ,( أشوف كثرت عندي اللاآت ) . لانه لم تكن توجد الكهرباء عندنا في معظم القرى.
وكانت الوسيله الوحيده لغسل الملابس, وشطفها وعصرها ونشرها, على الحبل لتنشف تحت اشعة الشمس , ثم لمها لتسفيطها وفرزها على حسب النوع ولمن ,هي كَفَي الأم ولا سواها .
فهي من يطبخ وينفخ ويكنس ويطعم ويحلب , فمنذ ان تستيقظ باكرا وحتى تخلد الى فراشها تراها تصول وتجول بين جدران بيتها , تنجز عملا هنا وتبدأ بآخر هناك ,وأثناء ذلك وقبله وبعده , تشقر على فلذات كبدها لتطمأن على حالهم وتلبي مطالبهم قدر الامكان . والرضا والرحمه والحنان, بل والحنو يملأ وجدانها ويلف كيانها تجاههم دون ان نرى اي مظهر من مظاهر الضيق والاسى والضجرعلى محياها الحاني الوادع .
وحالما تنتهي من مهامها المنزلية الكبرى والآنيه كالطبخ وتجهيز الطعام وكنس الغرف وحوش المنزل (بالعسو والمنخل التور).
يأتي الدور على الملابس الظاهر منها وما بطن, فتقوم بجمعها من كل اركان وارجاء المنزل لان المسأله اشلح وارمي هكذا ببساطه .
بعد ذلك تأتي بها تحت الماء القراح , لتطهيرها قطعه قطعه , ثم ترمي بها جزءا جزءا في الطشت المعدن الكبير والذي ملأته بالماء المضاف اليه الصابون (الشير او التايد) والكلوروكس والقليل من الماده الزرقاء (الشويت) فتحول الى البياض الناصع المائل الى الزرقه .
ثم تأخذ مكانها على المرتفع او المقعد الخشبي المعد لهذه المهمه والطشت بين ساقيها لتثبيته , تمد اصابعها الى اقرب قطعه من تلك الملابس , ثم تدعكها وتدعكها حتى تطمأن من نظافتها , ثم تلقي بها على جنب فتلتقط غيرها , وهكذا الى ان تنهي دعك وفرك كل ما في الطشت, بعدها تشطف كل ذلك تحت الماء لكي يزول اثر الصابون والكلوروكس عنها ,ثم يأتي دورها في العصر , وهنا العناء الاكبر حيث تعمل الايدي والاسنان واحيانا الارجل حتى.
ثم تسكب بعيدا ما تبقى في الطشت من ماء الغسيل وتمرره تحت الماء لتنظيفه, ولكي تتخلص من رائحة الصابون والمبيض, من جنبات الطشت ووسطه , تسنده الى الجدار مائلا 45 درجه لتتسرب منه الرطوبه .
تعدله على الارض وتودع في جوفه الملابس النظيفه تلك , ثنهض من جلستها تلك بعناء وتألم شديدين , وهي تندب الله وتصلي على النبي وآله . تشد جسدها الى الاعلى وتستوي واقفه فكأنما تمدد عضلات جسما والتي تصلبت من طول القعود على تلك الكيفيه , ثم تنحني من جديد تلتقط ذلك الطشت من على الارض بما احتوى , تزفه الى اعلى الهامه وكأنه تاج على رأسها .
تهم به الى حيث الحبل الممدود تنزله على الارض مرة اخرى تنحني تأخذ من الملابس وتنشرها عليه.
تتقلص المسافه الفارغه من الحبل فتسحب الملابس قريبا من المكان الفارغ, وهكذا الى ان تنشر كل ما لديها من غسيل .
وما ان تنتهي من تلك المهمه الا وتبدأ معها و بعدها مأساتها مع الآلام والاوجاع التي تنتابها في اليدين وبالذات الانامل , حيث تتشقق ويعتري جلدتها الوهن والضعف , بسبب تعرضها المباشر لتلك المواد الكيماويه السامه .
واتذكر والدتي حفظها الله وجزاها عنا كل خير, ورزقها الفسيح من جنانه. تظل تعاني من ذلك كثيرا ولكنها لم تترك ما كانت تراه واجبا, تجاه زوجها واولادها وبيتها , فكانت حتى اناملها نذرتها ووهبتها في سبيل ذلك وعن طيب خاطر.